كان يوجد في قديم الزمان عدة أسر قططية مقمسة الى قطط مشمشية و سيامي و انجوراه و بلدي يعيشون في منزل كبير في حي جميل من احياء البلد العتيق. و كانت تعيش طبقا لنظام تقليدي و محدد و متفق عليه منذ فجر تاريخ القطط المكتوب.
كانت الانجوراه تاكل حتى تشبع و تكتفي ثم تأكل السيامي و ترضى، و يتبعها اسرة المشمشي و تختم القطط البلدي السلسلة و تكتفي كذلك. لم تكن هناك ادنى مشكلة في وفرة الطعام و جودته للجميع و لم يكن النظام عن شح او قلة طعام ولكن مجرد نظام محدد مريح لكل الاطراف المعنية ولا يضايق احدا في الحقيقة.
و لكن في احد الايام شعرت قطة سيامي بحرج من استباقها الطعام عن اخواتها الاقل حظا، فرغم ان الجميع يأكل فالاسبقية تمنح شيئا من التباهي و الفخر للانجواره تشعر به هي و بالتالي فهناك تراتب غير مبرر فطريا اثار حرجا في قلب القطة المفكرة.
لم تعرب القطة السيامي عن افكارها خوفا من اخوتها قبل خوفها من الاخرين ،و لكن بمرور الوقت و اختمار الافكار الحت عليها وقررت ذات يوم ان تفصح لصاحبتها القطة الممشمشية، فوجئت هذه و استدارت بحدة الى صاحبتها و فتحت فمها لتجيب فما وجدت ردا، تثائبت بطريقة القطط المعروفة و بدأت في تنظيف مخالبها و قالت للسيامي انا معك و لكن اخاف الاخرين.
استشرى الحوار بين اسر القطط جميعا حتى صار صداعا و تبدل امنهم صراعا و جدالا و لكنه كان يتمحور حول الصداع المنتظر من اثارة مسألة شائكة كتلك ، ولا يتطرق ابدا لوجاهة الفكرة التي اتفق الجميع على صلاحيتها التامة خاصة انهم جميعا مضرورون بشكل او اخر عدا الانجوراه التي لم تبلغها القصة بعد.
وافق الجميع في النهاية و تحفظ القط المشمشي و قال فلنأكل سويا و يبقى البلدي اخيرا فذاك نصيبه و هم غير معترضين.. غضبت القطة السيامي و قالت اما المساواة التامة واما نستمر كما كنا افضل لنا جميعا.
تشاورت القطط المشمشي بناءا على ذلك و اتفقوا ان المساواة افضل لهم بالنهاية و لن يضرهم البلدي شيئابل سيربحون في الواقع سموهم الاجتماعي لدرجتين كاملتين و ذاك كاف جدا و المهم الا يسبقهم احد و يعلو عليهم و كذلك و في كل الاحوال ففي النهاية فالمقامات محفوظة.
بدأت الفكرة بالانتشار الكامل حتى عرف بها الانجوراه و بدأت الصراعات الجلية و المادية، حيث غضبت تلك الاسرة و اعربت عن صدمتها من تآمر كل الاسر عليها و على ثوابت و عادات وتقاليد الاجداد الاصيلة التي ضمنت الامان و السلام لكافة الاجيال حتى تلك اللحظة . و من ثم اضاف متحديثهم كذلك بأن الطعام متساوي للجميع و ليس فيه مشكلة توجب التغيير و انها ليست سوى محاولات فاشلة من السيامي للاستيلاء على شرف الانجوراه المستحق منذ الازل.
و لكن مع تطبيق النظام على الجميع في المنزل العتيق و حتمية تسرب تلك الافكار اليهم- و عليهم - تزايد غضب القطط الانجوراه واعربت عن غضبها الشديد من المحاولات الجارية القاصدة الى زعزعة استقرار الجماعة و ادخال ما لم يعرفه الاباء اليها و الى ثوابتها.
اجتمعت القطط الاخرى جميعا و اتفقوا على ان الانجوراه (بيستهبل)حيث كان الانجوراه مثل كل القطط في البداية و لكن فصل بينهم صاحبهم الاول نتيجة لضعف فيهم و رقة حال رأى - ساعتها - انها تستوجب تفضيلهم و حمايتهم من الباقين عند الطعام و هكذا بالنسبة للجميع ، فمن اين اتى الشرف المبكي عليه و من اين صارت الثوابت المقدسة ؟؟؟
اتفقت بقية القطط على المخالفة و حشدت الانجوراه القوى و هجمت عليهم جميعا بقوتها المكتسبة من الغرور و التكبر و الخوف على المكانة .. و كانت معركة دامية تميزت بخرابيش و مواء و عواء و انتهت بانسحاب متبادل و لم يتم اعلان المنتصر . انسحب الجميع يلعق جراحه و افتخر بها الثوار و اوجعت المدافعين عن عقيدة التفوق .
قاومت الانجوراه ما شاء لها الله و لكنها رغم مكاسبها المتمثلة في قتل قطة بلدي و جرح اخرى و مرمطة كرامة السيامي ، تفاقمت مشاكلها بأن بدأ اعضاء فيها بالتساؤل ثم التشكك ثم الايمان و لم ينفع معهم اظطهاد و لا اتهامات الخيانة ولا التضييق عليهم في الطعام بل و ابعادهم عن الاسرة، ، ولم يتيسر للانجوراه الفوز بما يفيد استمرار الوضع فقبلت بالامر الواقع و اشرق فجر ثوابت جديدة و بدأت جميع القطط تأكل في الوقت نفسه و ان علا صوت واحد او اثنان من الانجوراه المصرين على موفقهم و تركهم الجماعة.
شاعت سعادة الجميع و اكتملت حالة سلام لم تعرفها الجماعة من قبل ، و شمل ذلك الجميع فيما عدا الانجوراه التي حاولت الاحتفاظ بمسافة فاصلة تحفظ لها الكبرياء و تحميها من شماتة الاقل عند انطماس لاعلى ،ولكن بمرور الوقت صار الاعتراض غير ذي صفةو لا معني بل و يوحي بالبلاهة بحيث اصيبت احداها بالاذى من الجميع بما فيهم اخوتها حين حاولت الاعتراض الشفهي على التقاليد المستجدة.
و هكذا تبدلت الادوار و سادت العدالة و استماتت القطط في المحافظة على على الوضع القائم و لم تسمح بتسلل التفرقة مرة اخرى تحت اى مسمى بعد ان ذاقت الظلم البطئ الذي يتكرس كالمرض الخبيث حتى يتمكن و يتجمد.
كانت اكثر القطط سعادة هي القطط البلدي التي كانت في اخر الصف.
وبعد مرور اجيال عدة نسي الجميع الثوابت و عاشوا في ظلال المساواة المطلقة التي لا يجرؤ احدهم على المساس بها .. افتخر الانجوراه بصبرهم على النزول بمستواهم الى الاخرين و اعتبروا انفسهم تقدميين و نبلاء ،و تاه السيامي بالفكرة النابعة من جدودهم ، اما المشمشي فنسجوا الحكايات و غنت الربابة قصة سيرهم في الاتجاه الصحيح بلا تردد تقريبا . و ما القطط البلدي فقالت المواويل عن شهداءها و نعمت بالسعادة بعد الشقاء النسبي و كانوا بحق اكثر المتنعمين و كذا الحياة ، لو على حالها دامت ..ما دامت .. يا بخت القطط و عقبال الناس..
No comments:
Post a Comment