الشرطة ما بين الحل و التحليل ، هي مسألة تستحق النظر فيها بقدر كبير من التعمق حيث ان الشرطة هي ذراع النظام الباطش و آداته التي ساق بها ثور الشعب المكبل الاعمى في ساقية الظلم والهوان عقودا طويلة منذ سن نظام ناصر- قاصدا او جاهلا - السجون الحربية والتعذيب الممنهج لاعداء النظام في مصر العسكرية الجعجاعية المهزومة ، التي اقترض حاضرها من مستقبلها حتى ضاع الاثنين.
نبدأ بالتحليل و نستهل ذلك بالعودة الى اصل الشئ، و عادة ما يتسم الاصل بالبساطة و الوضوح و يكون عصيا على التأويل في بذرته الاولى ، مثل الرياضيات حيث الاصل ان واحد زائد واحد اتنين، يتفق عليها ولد لا يعرف الحساب ،او بنوتة في خامسة ابتدائي مع نيوتن واينشتاين و مشرفة و زويل و لا يكابر فيها الا جاهل او احمق او كليهما. نجد انه فيما يختص بالشرطة فالاصل هو ان الشرطي هو فرد من الشعب مثل الطبيب والمهندس و العامل اليدوي و الشغالة و الخياطين و الطهاة و الزبالين و المديرين و المعلمين والقضاة و كل طوائف الشعب العامل ، و من ثم فالواجب ان يقوم بعمله ثم يعود ليكون فردا في المنظومة يضيره ما يضيرها و يسعده ما يسعدها.
الشرطي انسان عادي يعمل بحفظ الامن الخاص بالمواطن من كل نواحيه و جوانبه و لا يتمتع بأي حصانات و لا سلطات خارج سلطاته في تطبيق القانون على نفسه قبل غيره و لا يتعين من الاصل ان يكون عسكري النزعة بالمرة ، بل مجرد عامل في هيئة مدنية لحفظ النظام مثل فرد الامن في اي منظمة الذي يحمل السلاح و لا يمنحه ذلك اي اهمية او علو منصب في منظمة صحية و نافعة ، هو ترس في آلة يحمي دورانها بالشكل الصحيح و ليس جزءا مميزا و لا منفصلا عنها بالمرة.
الاصل اذن هو ان الشرطة جزء من الشعب و الفرد منوط بمهام صعبة و ثقيلة و تجلب له اعزازا من الناس لأنه يحميها من الافراد المجرمة فيها و يؤدي عنهم مهام ثقيلة على الانفس و هي التعامل مع اسوأ انواع الطبيعة البشرية مع التعامل مع كل انواع المخاطر مثل الحريق والشغب و كل ما يهدد الناس في معايشهم.
و الحال هكذا، يتيسر لنا ان نرى موضع الخطأ و منبع الانحراف العقيدي ، و هو اعتبار فرد الامن و منذ فجر التاريخ انه ذراع السلطة و حارس خاص لمصالح الملك المفدي و الفرعون المتأله و بالتالي ينسبغ عليه من القداسة والعلو و التجبر ما يتحلى به رئيسه و مولاه الذي يعد الشعب من مواليه رعاياه، يقتل من يشاء ،و ينفي ،و يسجن من يشاء، و يعطي من يشاء ،و يمنع من يشاء - من مال الشعب لا مال ابيه و امه - و اصبح فرد الشرطة هو الحكومة و كلاهما خدامين السلطان و ذراعه التي تبطش بالناس و واجبهم هو فرض هيبة السلطان و اخماد روح الحرية والكرامة في الناس .
الحاصل اذن هو توارث الخلف عن السلف- و كلاهما خرف - هذه الفكرة الضالة المضلة حتى صار دخول سلك الحكومة و دخول الشرطة هو باب العظمة النابعة من الانتماء للسلطان و للسيادة على العزبة التي يعمل بها باقي الشعب بالسخرة عند الحاكم و حاشيته و ذراعه الامني ، و ذلك رغما عن ان هذا الشعب هو المنتج و هو من يأكل من خيره كل من يخدمه - من اول الحاكم حتى القاضي حتى الشرطة حتى الجيش حتى الطبيب حتى المهندس مرورا بكل الوظائف التي لا تزرع و لا تصنع حيث تعد وظيفتهم هي خدمة المنتج الاصلي و العمل على خدمة بعضهم البعض في دائرة الحياة التي سنها الله لتتكامل الحياة و نحتاج جميعا لبعضنا - و الذين لا يعدون منتجين بل مستهلكين و مقامهم جميعا حماية القائم بالانتاج و هو اصل الدخل القومي و العز الذي يرتع فيه هؤلاء جميعا.
اذن الشرطة كمنظومة فاسدة الاصل والفكرة والمنبع في هذه البلاد المتسلطة ، اما افرادها فهم حسب تربيتهم ، فالخسيس الوضيع يستغل اسوأ ما في النظام ، اما المحترم الشريف فيعلو بنفسه ليتجنب اسوأ الاضرار الانسانية ، و لكن في المجمل المنظومة خسيسة و بناؤها فاسد من حيث العقيدة والتوجه الفكري و لا يمكن اصلاحها الإ عندما يفهم النظام قبل الشرطة ان الشعب هو مالك البلاد – يتضمن الشعب الملك و الحاشية والشرطة والجيش طبعا – و بالتالي فعندما يتولى اي فرد شئ من امر هذا الشعب يصير خادما لديه – و يعمل لصالحه و وكيلا عنه لا اكثر ، فإذا خلع زيه الرسمي و عاد للشعب كان بقية العاملين في الحكومة عاملين لديه هو نفسه و هكذا دواليك.
ان كل مظالم الشرطة و امن الدولة ،و كل نظم هذه البلاد التي رزيت بعقم الفكرة والقيادة والسياسة والحريات -على مدى قرون باستثناء بؤر نور مؤقتة و قصيرة للغاية - نابعة على بشاعتها( التي احيلك في الاطلاع عليها الى الشبكة العنكبوتية و اكتب فضائح الشرطة المصرية، و احذرك من بشاعة ما سوف تراه) من فهم خاطئ للحياة والحرية والدين و الانسانية و بمجرد تعديل هذه الفكرة نهائيا و بشكل قاطع الدلالة سوف يتغير مفهومهم العام و تنعدل ارواحهم مع تصرفاتهم و يجب التعجيل بتأصيل مفهوم الكرامة والحرية و عزة و رفعة الانسان و قداسة جسده و فكره و بعد ذلك التنكيل الصارم الباتر بمن لا يحترم ذلك و هم موجودون في كل اجهزة الشرطة في العالم كجزء طبيعي من نسبة الفساد الموجودة في البشر طالما لم تنبت لهم اجنحة بعد.
اذن و مما سبق يتضح تماما ان العيب الاساسي يكمن في النظام الذي يعزز قيم التنكيل بالمواطن الاعزل لصالح كل الحكومة و الحكام و ترقية من يثبت حقارة و نتانة اكثر في القيام بواجبه الخسيس مما يؤدي بالشرطة للطريق المظلم الذي جعلهم اولا و اخيرا اعداء الناس و اعداء الله اذ يقومون بقهر عباده بلا وازع من انسانية او ضمير.
و الحل اذن ،و بناء على ما تقدم ، هو تغيير المنظومة الفكرية مع تشديد العقوبة والتنكيل الشديد بمن يضرب صفحا عن التعديل الخلقي والانساني في منظومة القيم الانسانية في بلادنا المنكوبة حتى الان اذ لم يتم تغيير قانون واحد و لا مسار واحد فكري او عقيدي في الاعلام او التشريع المصري.
كلمة اخيرة للاخوة ضباط الشرطة : ان كمية الاحتقار والكراهية والحقد والاشمئزاز التي يحملها كل الشعب-و حتى كل الانسانية التي تعرف ما هي الانسانية ،و كل الاديان التي تعرف ما هو الدين، و ما هو الرب و ما هو مفهوم الالوهية والرحمة- لكل من يعمل منكم في خضم القذارة و التعذيب و المسخ التنظيمي المسمى بالشرطة في تعذيب و اهانة و تمزيع و انتهاك الجسد والعقل المصري يوازي و يزيد بل و يفوق بمراحل احتقارهم لليهود و الانكشارية والمماليك و الغرب و الشرق الذي كانوا و سيبقوا غرباء لا يهتمون لنا في شئ ، لكن انتم يا من حملتكم ارحام مصرية و تعيشون وسط اهلكم و ناسكم و تقومون بما تعف عنه الذئاب وابن آوى بتبريرات حقيرة لا يقتنع بها طفل غرير و لا كلب اجرب و لا اسد هصور ، متى رأيتم كلب و لا اسد يعذب اقرانه؟ استقيموا يرحمكم الله- او لا تستقيموا احسن برضه - فأني اريد ان تبوؤوا بذنبنا فتكونوا من الاخسرين اعمالا باعمالكم السوداء .
يبقى تذييل يختص بالشرفاء و المحترمين منكم و الذين نقلوا انفسهم للعمل بالمرور والمطافي والسياحة واي جهاز لا يستلزم القذارة ، انتم تحمون الشعب و تؤدون واجبا صعبا و ثقيلا بشرف و مروءة فلكم الاحترام والاعزاز و المحبة، و بكم الأمل في ان يحظي هذا الشعب بمن يحبه ويرعاه و يعرف ان الماشين في الشوارع بلا سلاح و لا بدلة ميري هم أنت و اهلك و أبوك وأمك و أختك وأخيك و ابنك و ابنتك ، و كلهم يحبونك طالما أحببتهم و منحتهم حقهم الإلهي في الاحترام والمودة. امش على بركة الله و لك الخير و ان لعنة الله على الظالمين.
No comments:
Post a Comment