بمناسبة 25 يناير قلت اكتب شوية كده مع اني مش كاتبة بالسليقة لكن اهو كلام اخو حديت و يمكن نستفاد من الحواديت.. Just my musings and short flights of imagination.
Thursday, May 26, 2011
من بحري و بنحبوه و ازاي نقدروا ننسوه.. الاسكندرية
هذا الكوبليه ملخص شديد الإيجاز و الإعجاز معا في وصف الاسكندرانية:إحنا منين،و إيه رد فعلنا ،و ازاي نعمل اي شئ غير المكتوب علينا؟؟ و يظلل هذا الكوبليه العبقري الإلزام الضمني و المنهجي بالصراحة والإعراب عن مكنون الصدور رغم العيب والمجتمع و الأعراف ، و تلك هي مقومات السكندري الحق: الصراحة المشوبة بوقاحة و الصوت العالي في كل أمر ،و الجدعنة والحب الشديد للمكان و الحبيب ،و الإيمان بالقدر إيمانه أو إيمانها بالبحر و الأمواج التي تروح و تجئ و تلك سنة الله و أقداره التي يعرفها أصحاب البحر تماما.
إحنا اجدع ناس!
تجد السكندري يقول "انا اسكندراني " بخفة و دلع و عنجهية غير مبررة أحيانا ،و لكن بإيمان كبير بصدقه على الأقل في اعتبار ذلك حقيقة لديه و في قلبه. الإنسان السكندري- بالطبع و مثل كل الأناس على الأرض - متفرد بذاته و هذه أيضا سنة الله، فليس السكندري مفضل على القاهري أو الاسكتلندي أو الاسكيمو أو الفنلندي أو غيرهم بأي شئ كان ، كلنا لآدم و حواء و آدم و حواء من تراب، ولكن يجب على كل من ينتمي لشئ ان يشعر بتفرده الآني - و هو حقيقة تامة ، مع الاعتراف بأنه تفرد وهمي رغم ذلك و هي حقيقة أيضا- و يفخر به، و لكن مع الالتزام بالشرط الواحد الوحيد و هو عدم التكبر و التجبر و الاستعلاء على الغير به .
إنا اسكندرانية ، و بالتالي ينطبق على كل ما سبق قوله بالكامل، و لكن يزيد عليه إنني أرى في الإسكندرية جمالا و دلالا و خفة دم تليق ببنات بحري و البحر الذي يجمع بينهما ان كلاهما يتمختر أمامنا هادئ الخطوة يمشي ملكا تظنه فاضي و رايق و ليس منه خطر ، و يختلف تماما من الرضي للزعل ، فعندما تعاكس أو تختلف ببراءة مع إحداهما أو يغضب البحر بعد رضي ، ترى الثورة في أجلى معانيها ،و الوقاحة و البجاحة السالفة الذكر في كل ملمح جسدي و تعبير شفهي بل و بالأعضاء جميعا، مثل الفم و العينان و غيرهما كذلك، كما تري في البحر الموج الهادر والزبد الأبيض و العنفوان المتوحش حتى يعدو على الأرصفة و يكاد يرقى إلى عنان السماء، فتكاد لا تصدق ان ذلك الراضي هو بذاته هذا المتوحش المجنون.
الإنسان بطبيعته جماعة كما انه بطبيعته فرد ، فالقطيع مترابط و لكن كل واحد بيتاكل لوحده اذا وقع، و من معجزات الحياة هذا التمازج والتلاقي العجيب بين الفرد بذاته و كل تموجاته و دواخله ، و القطيع بأفراده بكل تداخلاتهم و تموجاتهم و الظلم بينهم و العدل فيهم و الترابط و التحاسد و آلاف الأضداد، فكأنما الكون يخبرنا ان الفرد في ذاته قطيع و القطيع في ذاته فرد و لا يقوم هذا أو ذاك إلا بالعدل و النظام.
نعود للإسكندرية و أهلها بكل ما لهم و ما عليهم ، بكل فخرهم ببلدهم التي يشد إليها الرحال و يبقى فيها الفرنجة اذا رأوها حتى ينسوا بلادهم و يبقوا فيها ، و لولا الغشومية والغباء ما رحلوا و لبقت المدينة العالمية التي يعيش أهلها في نطاق من الجوار مع الخواجات فيبزوهم أحيانا شياكة و الاطة و يحتفظون برائحة بحرهم و شذي برهم في أنفسهم الزاخرة بالجمال و الرقي. الإسكندرية طقطوقة جميلة اذا قورنت بمصر و هي أغنية لام كلثوم أو بأسيوط و هي موال صعيدي أو بالإسماعيلية و هي سمسمية لطيفة، والطقطوقة تحلي بالليل في برودة الخريف مع كوباية السحلب في بحري أو على البحر و خلاص.
عندما ارحل عنها و أريد ان أتذكر أو يمسني الشجن لبعدي ،استحضرها في الشتاء على البحر في سبورتنج حيث أمضيت طفولتي، الشاطئ الفارغ من الناس إلا قليلا، و السماء الرمادية البيضاء التي تظللك بالشجن والحزن، و توحي لك بصلاة ركعتين في التو و اللحظة ، و الأرض المبللة التي ينضح سوادها بلمعة أعين الفتاة المدللة التي يغطيها السواد و لكنها تغمز لك رغما عن ذلك ،و العمارات الباهتة اللون المتمايزة الطول التي تبكي حوائطها على الزمن الماضي و يشي بقية العمارة فيها عن زمن جليل شاخ و مضى. الشتاء في الإسكندرية هو البرودة المحببة و الرذاذ الذي يقطر حنانا برائحة اليود و الطعمية و التقلية الواردة من الشوارع الجانبية و خاصة شارع فاطمة اليوسف، حيث كان منزل جدتي لأمي و بالتالي هو منزلي و مكاني.
من لم ير إسكندرية في الشتاء ، فلا يقل انه يعرف الشتاء بل رآه مارا من بعيد ؛ الشتاء يسكن و يعيش و يأكل و ينام في الإسكندرية، تقابله فتشعر بكل حبيب أحببته و كل الأحبة الراحلين إلى الأبدية بجانبك، تشعر بطفولتك وشبابك تحت عينيك و في كل حاسة لديك، تسترجع طفولتك مع البحر و لونه الذي لا يمكن تخيل نزول احد فيه ، و تلتفت فتجد من يصيد و من يتنزه بل من يعوم فيه ولكن لن تريك شيئا إلا ان صادقتها و عاشرتها و أمنت لك شوارعها الحزينة والبيوت .. الإسكندرية في الشتاء هي تجسيد كل الحزن السعيد في حياة كل إنسان منا . هي المدينة التي تحزن و تبكي سماؤها و يرعد برقها و يهيج بحرها و لكنها مجرد زوبعة في فنجان السعادة التي تبدو خجلة و تطل بوجهها من خلف جدار الحزن مهما بدا و علا .
تعيش تعيش الإسكندرية بأهلها و بحرها و لعلنا ننتقل من حياتنا البشرية فينعم علينا الولي القدير بتحولنا إلى جزء منها و من عبقها ليرانا اللاحقون في يوم خريفي تحت اللحاف الرمادي الذي يكللها في الشتاء . لعلنا.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment